مشاهير الصحابيات ومع أم المؤمنين أم سلمه ( الجزء الثانى )
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
وتكمل السيده أم سلمه عن كرم ومروءة عثمان بن طلحه وهو يوصلها إلى زوجها بالمدينه، فتقول رضى الله عنها، حتى إذا نزلت استأخر ببعيري، فحط عنه، ثم قيَده في الشجرة، ثم تنحَى وقال اركبي، فإذا ركبت واستويت على بعيري، أتى فأخذ بخطامه فقاده حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقُباء، قال لى زوجك في هذه القرية وكان أبو سلمة بها نازلاً، فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعا إلى مكة، فكانت تقول والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبا قط، كان أكرم من عثمان بن طلحة.
وقد شهد أبو سلمة رضى الله عنه عزوة بدر، وجُرح فى غزوة أُحد جرحا اندمل ثم انتُقض، فمات منه في جُمادى الآخرة سنة ثلاث من الهجرة، وعن أم سلمة قالت أتاني أبو سلمة يوما من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قولا سررت به، قال: لا يُصِيب أحدا من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته ثم يقول اللهم أجرنى فى مصيبتنى وأخلف لى خيرا منها ، وإلا فعل ذلك به" فقالت أم سلمة رضى الله عنها فحفظت ذلك منه، فلما توفى أبو سلمة استرجعت، وقلت: اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها، ثم رجعت إلى نفسي فقلت: من أين لي خير من أبي سلمة؟
فلما انقضت عدَتي استأذن علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أدبغ إهابا لي، فغسلت يدي من القرظ، وأذنت له، فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف، فقعد عليها، فخطبني إلى نفسي، فلما فرغ من مقالته قلت: يا رسول الله، ما بي أن لا تكون بك الرغبة فيَّ، ولكني امرأة بي غَيرة شديدة، فأخاف أن ترى مني شيئا يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلت في السن وأنا ذات عيال، فقال صلى الله عليه وسلم " أما ما ذكرت من الغيره فسوف يذهبها الله، وأما ذكرت من السن فقد أصابنى مثل ما أصابك، وأما ما ذكرت من العيال، فإنما عيالك عيالى " فقالت: فقد سَلَّمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقالت أم سلمة فقد أبدلني الله بأبي سلمة خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت الحكمة من زواج النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بأم سلمة، وهى كان لفتة حانية وتكريما رفيعا من الرسول صلى الله عليه وسلم، أن تزوج أم سلمة رضي الله عنها، فقد غدت بعد وفاة زوجها المجاهد أبي سلمة، من غير زوج يعيلها، أو أحد يكفلها، رغم ما بذلت هي وزوجها من جهد لهذه الدعوة المباركة، وهي مع ذلك كان لها من الأيتام أربعة، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم هو الزوج لها والكفيل لأبنائها، وبعد وفاة أبي سلمة رضى الله وانقضاء عِدة أم سلمة خطبها أبو بكر فردَّته، ثم خطبها عمر فردَّته.
ثم استأذن عليها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فوافقت على الزواج من النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن زوَّجها ابنها، وشهد عقدها رجال من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فكان صداقها رضي الله عنها كصداق السيده عائشة وهو صحفة كثيفة، وفراش حشوه ليف، ورَحى، ودخل بها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم سنة أربع من الهجرة، وقد كانت رضي الله عنها تختلف عن باقي نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فقد انتُزع من صدرها الغيرة، حيث اعترفت للنبي صلى الله عليه وسلم بغيرتها، وذلك عند خطبته لها، فدعا لها النبي صلى الله عليه وسلم بذهاب الغيرة من نفسها.
وكانت رضي الله عنها من أجمل نسائه باعتراف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حيث تقول عائشة رضي الله عنها، وقد كانت للسيدة أم سلمة رضي الله عنها مكانتها عند النبي صلى الله عليه وسلم، فعن زينب ابنة أمِ سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند أم سلمة رضي الله عنها فجعل حسنا في شق، وحُسينا في شق، وهما " الحسن والحسين "وفاطمة في حجره، وقال: " رحمة الله عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد " وأنا وأم سلمة رضى الله الله عنها، جالستان، فبكت أم سلمة رضي الله عنها، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: " ما يبكيك "
فقالت: يا رسول الله، خصصتهم وتركتني وابنتي، فقال صلى الله عليه وسلم : " أنت وابنتك من أهل البيت " ولمَّا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل على نسائه كان يبتدئ بأم سلمة رضي الله عنها، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا صلى العصر دخل على نسائه واحدة واحدة، يبدأ بأم سلمة رضي الله عنها، لأنها أكبرهن، وكان يختم بي، وكانت أم سلمة رضي الله عنها طيبة عفيفة، ولها مكانتها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعيالها تربَّوا في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم، راجع لحكمة جليلة.
وهي أنها غدت بعد زوجها أبي سلمة رضى الله عنه، من غير عائل أو كفيل، وهي مع زوجها رضي الله عنهما قد منحا الدعوة كل ما يملكانه من مال ونفس وتضحية، فأبدلها الله بزواجها من النبي صلى الله عليه وسلم كل خير فقدته، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمها ويهديها، ولما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم، أم سلمة رضي الله عنها، قال لها: " قد أهديت إلى النجاشى حله وأواقى من مسك ولا أرى النجاشى إلا وقد مات، ولا أرى إلا هديتى مردوده على ، فإن ردت على فهى لك " قال: وكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وردت عليه هديته، فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية مسك.
وأعطى أم سلمة بقية المسك والحُلَّة، وكانت أم سلمة رضي الله عنها، سببا مباشرا لنزول بعض الآيات الكريمة من القرآن الكريم، فعن مجاهد قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله، تغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث فنزلت: ( وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) من سورة النساء، ونزلت أيضا : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) من سورة الأحزاب، وكانت أم سلمة أول ظعينة قدمت المدينة مهاجرة، وعن عمرو بن دينار، عن سلمة رجل من آل أمِ سلمة قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله، لا نَسمع اللهَ ذكر النساء في الهجرة بشيء؟
فأنزل الله عز وجل: ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) من سورة آل عمران، وكان لأم سلمة ثلاثة أولاد هم، سلمة وهو أكبرهم سنا وق زوجه النبي صلى الله عليه وسلم، من أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب، ومحمد الذي كان من رواة الحديث، وزينب التي تربت في بيوت أمهات المؤمنين وروت الكثير من الأحاديث عنهن، وقد تميزت أم سلمة برجاحة عقلها وسدادة رأيها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بمشورتها كما كان يأخذ بمشورة كافة نسائه، ولعل أشهر ما نصحته به هو بعد صلح الحديبية بعد أن اعترض عدد كبير من المسلمين على بنود الصلح.
:
